تشكل الجماعة الإسلامية -الإخوان المسلمون في لبنان- واحدا
من أكثر فروع التنظيم قدرة على نسخ علاقات واسعة من المتناقضات في لبنان، وكذلك
التماهي مع المشروع التركي" الخلافة
العثمانية" في الوطن العربي.
كذلك تعد الجماعة الإسلامية، جزء مهم وفعلال في استراتجية التنظيم الدولي للإخوان،
نظر لاعتبار لبنان واحدة من حلقات التواصل والتدريب والتمويل، وغسيل الاموال
للتنظيم الدولي للإخوان.
بدأ النشاط الرسمي للإخان في عام 1964، لكن بدايات الجماعة في لبنان انطلقت مع نشاط جماعة عباد
الرحمن، والتي كانت تُعتبر إحدى فروع الإخوان اللبنانية، وقد أسسها المرحوم محمد عمر
الداعوق بدايات الأربعينيات، ومن ثم استقل مؤسسو الجماعة الإسلامية وعلى رأسهم الداعية
الراحل الدكتور فتحي يكن عن عباد الرحمن، وانطلقوا في عمل إسلامي سياسي مستقل في ظروف
صعبة في لبنان والعالم العربي.
يقتنع إخوان لبنان بأنهم قوّة وازنة في صيدا وبيروت وطرابلس
والضنية، وقوة موجودة في البقاع، وأساسية في إقليم الخروب.
وضع حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان ومرشدها الأول مخططًا، من أجل انتشار فكر جماعة الإخوان خارج مصر، فبمجرد أن بدأت جماعته تستوي على عودها وتستقر قواعدها- أسس البنا قسمًا خاصًا، سمّاه (قسم الاتصال بالعالم الإسلامي)، كان عمله الأول والوحيد إنشاء فروع للجماعة خارج مصر والتواصل مع الشخصيات والتيارات القريبة من أفكار جماعته، ومن هذا القسم بدأت كل علاقات الإخوان واتصالاتهم في كل أنحاء العالم.
فعبر هذا القسم اتصلت الجماعة بالطلاب العرب والمسلمين الذين كانوا يدرسون بمصر خاصة في الأزهر الشريف، وانضم خلاله عدد من الطلاب صاروا بعد تخرجهم ورجوعهم لبلدانهم قيادات إسلامية بارزة، وضعت نواة تنظيمات الإخوان في بلدانها، وقد أسند البنا مسئولية هذا القسم لعددا من شباب الإخوان وعلى رأسهم الشاب مصطفى مؤمن، وسعيد رمضان زوج ابنة الشيخ حسن البنا، والذي اضطلع بالدور الأكبر في نشر وبناء التنظيمات الإخوانية خارج مصر.
ففي سنوات قليلة استطاع القسم ربط جماعة الإخوان بالعالم، وتأسيس عدد كبير من تنظيمات الإخوان في العالم الإسلامي من إندونيسيا إلى المغرب ومن الصومال إلى سوريا، وذلك قبل نصف قرن من الزمان، واضطلع بالمهمة عدد من أبناء هذه البلدان الذين درسوا في مصر وارتبطوا بالجماعة، وأشهرهم مصطفى السباعي الذي صار بعد ذلك المراقب العام للجماعة وأحد كبار منظّريها.
لقد بعث البنا، عبد الرحمن الساعاتي ومحمد أسعد الحكيم إلى سوريا وفلسطين ولبنان لنشر الدعوة وتوضيح الفكرة في بلاد الشام، فكانت أول بعثة للإخوان المسلمين لدول بلاد الشام في 5 أغسطس 1935م، وبعد تلك الرحلة رشح "البنا" أحد كبار الإخوان وهو محمد الهادي عطية المحامي ليقوم بتدريس الشريعة الإسلامية والفلسفة بكلية المقاصد الخيرية في بيروت، فسافر في أكتوبر سنة 1935، وقد ودعته جريدة الإخوان تحت عنوان: "الأستاذ الهادي في طريقه إلى بيروت".
وكان الشيخ أنيس الشبح عام 1937، نائب شعبة بيروت، وفي سنة 1943 عقد مؤتمر في حمص اشترك فيه ممثلو المراكز في سوريا ولبنان، وأقر بقاء (دار الأرقم) في حلب مركزًا رئيسيًّا، واتخذ قرارات ذات لون جديد، كإحداث منظمتي السرايا والفتوة في كل مركز، والعناية بالناحيتين الرياضية والاقتصادية إلى جانب النواحي الثقافية والاجتماعية والأخلاقية والقضايا الإسلامية والعربية العامة.
وفي مطلع الخمسينيات كانت الحركة الإسلامية في عدد من أقطار العالم العربي قد نمت وباتت تشكل تياراً فكرياً وسياسيًّا واضحاً على الساحة العربية، كانت مؤلفات حسن البنا وسيد قطب ومصطفى السباعي، وما جرى تعريبه ونشره من كتب أبي الأعلى المودودي في باكستان، وإصدارات الإخوان المسلمين كمجلة "الدعوة" و"المسلمون" من مصر و"الشهاب" من سوريا و"الكفاح الإسلامي" من الأردن بدأت تشكل تياراً فكريًّا وسياسيًّا إسلامياً في مختلف المناطق اللبنانية.
وقد ساعد على بلورة هذا التيار في لبنان لجوء الدكتور مصطفى السباعي (المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا) إلى لبنان عام 1952 خلال فترة حكم العقيد أديب الشيشكلي في سوريا، حيث استطاع تأصيل الفكر الإسلامي الملتزم لدى صياغة دراسات فكرية وحركية لكل من "جماعة عباد الرحمن" التي تشكلت في بيروت، وكان أسسها محمد عمر الداعوق عام 1950، ولدى مجموعة من الشباب بطرابلس كان أبرزهم النائب السابق والقطب الإخوانية الكبير فتحي يكن.
وفي عام 1953 قام حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان الأسبق، بزيارة إلى لبنان وانعقد المكتب التنفيذي لقادة الإخوان بمصيف بحمدون، حيث حضره إضافة إلى الهضيبي كل من السباعي (سوريا)، محمد عمر الداعوق (لبنان)، محمد محمود الصواف (العراق)، ومحمد عبد الرحمن خليفة (الأردن) وغيرهم.
وفي عام 1957 بدأ عمل جماعة الإخوان بمدينة بيروت من خلال مجموعة تضم: سليم استيتية، محمد عبدان، عبد الرحمن عبدان، أحمد زيدان، الشيخ إبراهيم شهاب، سمير المجذوب، أحمد عيتاني، وزهير العبيدي .
وانخرطت هذه المجموعة في أنشطة الجماعة وبرامجها، فتولى زهير العبيدي مسئولية العمل الطلابي والتربوي في الجماعة، وقامت هذه المجموعة بخوض الصراعات الفكرية حول القضايا والعناوين، التي كانت تطرحها الأحزاب الشيوعية والقومية، بالرغم من أن سياسة جماعة عباد الرحمن، التي كانت متبعة وما زالت، هي التهدئة وعدم خوض الصراعات والنزاعات مع الآخرين، ومما عزز حالة الانتماء الفكري هذه، استماع الشباب إلى المحاضرات الدورية التي استمرت طوال الفترة الممتدة ما بين عامي 1957 و1960، والتي كان يُعرض فيها الفكر الإسلامي الحركي الذي كان يقدمه نخبة من المشايخ والدعاة العرب، وقادة حركة الإخوان، الذين كانوا يفدون إلى لبنان، من أمثال الدكتور مصطفى السباعي، والفضيل الورتلاني، والشيخ زهير الشاويش وغيرهم.
عقب تأسيس مكتب إداري للجماعة في طرابلس، تم افتتاح مكاتب أو مراكز لها في كل من بيروت وصيدا، والجدير ذكره أن المكتب الإداري في طرابلس كان موجودًا حتى قبل تأسيس الجماعة الإسلامية بشكل رسمي، ففي الفترة الانتقالية بين الانفصال عن جماعة عباد الرحمن والجماعة الإسلامية، عمل الرعيل المؤسس تحت غطاء المركز الثقافي الإسلامي، الذي انتخب مكتبًا إدرايًا كان فتحي يكن رئيسًا له.
وتم تشكيل أول مكتب إداري للجماعة في مدينة صيدا في سنة 1972، لمدة عانين، برئاسة إبراهيم المصري، عضوية غازي حنيني، محرم عارفي، موفق الرواس، ومحمد عمار، واتفق على أن يتولى أحد أفراد المكتب منصب نائب الرئيس بالتناوب لمدة ستة أشهر، ولكن هذه المسئولية استقرت بعد السنة الأولى عند محمد عمار، ويذكر أن الشيخ خليل الصيفي كان يشارك في جلسات المكتب أحيانًا.
وفي 1974 كان هناك أول مكتب إداري جماعة بمنطقة الشمال، وخاصة منطقة القلمون، ومعها أصبح لإخوان شمال لبنان ممثل رئيسي في شورى الجماعة.
تأسست الجماعة الإسلامية رسميًّا سنة 1964، وتم افتتاح مركز الطريق الجديدة، قرب مبنى جامعة بيروت العربية خلال السنة نفسها، وسبق ذلك فترة امتدت ما يقارب الأربع سنوات، عملت خلالها المجموعة التي انفصلت عن جماعة عباد الرحمن تحت مسميات مختلفة، منها المركز الثقافي الإسلامي، والحركة الإسلامية، والشباب المسلم، بالإضافة إلى مسمى الجماعة الإسلامية، علمًا بأنهم حاولوا التقدم بترخيص لإنشاء جمعية أو جماعة أكثر من مرة، لكن محاولاتهم باءت بالفشل.. كانت فترة مراوحة استمرت أربع سنوات، واستخدم اسم الجماعة قبل الرخصة، حيث بدأ اعتماد هذا الاسم سنة 1963.
عقب تولي كمال جنبلاط وزارة الداخلية اللبنانية، عام 1964،وتقديم طلب مقدم من زهير العبيدي في بيروت، ورفض الأمن العام بطرابلس- أعطاهم ترخيصا، وكان الطلب باسم فتحي يكن، إبراهيم المصري، فايز إيعالي، محمد دريعي، ومحمد كريمة، فوقّع عليه جنبلاط مباشرة، ومعها أصبحت الجماعة رسمية، وأصدرت مجلة "الشهاب" في 1 ديسمبر 1966، وكان أول أمين عام للجماعة هو فتحي يكن، إضافة إلى بقية المؤسسين: فايز إيعالي، محمد كريمة، محمد دريعي، وإبراهيم المصري.
عن اختيار تسمية الجماعة الإسلامية، قال الشيخ فيصل مولوي، أحد أبرز مؤسسي الجماعة، والذي شغل منصب الأمين عام: إنه كان هناك خياران، فقد طرح بعض الإخوة تسمية الإخوان "المسلمين"، باعتبار «أنها تعبر عن هويتنا الحقيقة وامتدادنا»، وطرح آخرون تسمية الجماعة الإسلامية، على اعتبار أن هذه التسمية «تبعد عنا تهمة الانتماء إلى الإخوان المسلمين، مما يخفف عنا الضغط السياسي والأمني إلى حدٍّ ما».
ويضيف أنه قد وقع الاختيار على التسمية الثانية بفارق بسيط في الأصوات، لكنه يؤكد أن ذلك لم يبعد عنهم شبهة الانتماء إلى الإخوان، ويروي الشيخ فيصل مولوي في هذا المجال حادثة طريفة، فقد علقوا لافتة كبيرة جدًا باسم الجماعة الإسلامية، على شرفة مركزهم في صف البلاط في طرابلس، ووضعوا اسم الجماعة على باب المركز، وحدث حينها أن تُوفي جار لهم، كان يسكن في الشقة المقابلة للمركز، فكتب أهله في ورقة النعي: «التعزية في منزل الفقيد الكائن مقابل مركز الإخوان المسلمين».
بعد تأسيس الجماعة الإسلامية بشكل رسمي، تولى عبد الله بابتي رئاسة مكتب طرابلس في سنة 1965، لم يكن للجماعة مجلس شورى، منذ تأسيسها رسميا عام 1964، وفي عام 1969 تم انتخاب مجلس شورى للإخوان، حيث كانت تجري استشارات مع الإخوة العاملين يتم على إثرها تشكيل مكتب إداري في طرابلس، وآخر في بيروت، وثالث في صيدا.
وقد تشكل مجلس شورى ينتخبه الإخوان العاملون، واقترح فتحي يكن، القيادي الإخواني الكبير، أن تكون الشورى مُعلمة، لكن الإخوان رفضوا، وأصبحت الشورى في الجماعة ملزمة، وعندما تمّ تشكل أول مجلس شورى مركزي سنة 1969، انتخب من قبل هيئة عامة تمثل كل المناطق اللبنانية التي تضم الإخوة العاملين في الجماعة. وكان أعضاء مجلس الشورى 15 عضوًا. وهو المجلس نفسه الذي اختار محمد علي ضناوي مرشحًا للمجلس النيابي سنة 1972.
وكان أبرز عناصر هذا المجلس: فتحي يكن، فيصل مولوي، محمد رشيد ميقاتي، محمد علي ضناوي، سعيد شعبان، غسان حبلص، عبد الله بابتي، أحمد خالد، زهير عبيدي، هشام قطان، عبد الفتاح زيادة، وإبراهيم المصري، وانتخب محمد علي ضناوي رئيسًا لمجلس الشورى.
بعد ذلك انتخب أول مكتب قيادي للجماعة وضم كلا من مدحت بلحوص، هشام قطان، إبراهيم المصري، فايز إيعالي، بالإضافة إلى فتحي يكن، الذي انتخب أمينًا عامًا للجماعة، وكان محمد رشيد ميقاتي أول أمين سر لمكتب قيادة الجماعة على مستوى لبنان. وقد طبق نظام البيعة الذي كان سائدًا منذ أيام جماعة عباد الرحمن.
عرفت الجماعة الإسلامية نفسها في أدبياتها على أنها:
* ليست جماعة المسلمين، ولكنها جماعة من المسلمين.
* ليست تجمعًا شخصيًا.
* المسئول فيها خادم لها.
* ليست تجمعًا سياسيًا همه تحقيق مكاسب قريبة.
ووضعت الجماعة العديد من الأهداف التي اعتبرتها مهمة لإقامه المجتمع الإسلامي وهي :
أولاً: تبليغ دعوة الإسلام إلى الناس نقية صافية متصلة بالعصر ومشكلاته.
ثانياً: تنظيم الذين استجابوا للدعوة إلى الإسلام وتثقيفهم به وتأهيلهم ليكونوا الطليعة.
ثالثاً: مواجهة تحدي الحضارة الغربية.
رابعاً: السعي إلى بناء مجتمع جديد يكون الإسلام فيه هو الميزان بتصرفات الأفراد.
خامساً: السعي لجمع شمل المذاهب الإسلامية بالرجوع إلى الأصول الإسلامية.
وكانت أهم الميادين التي عنيت بها الجماعة، قسم الأسر: للتربية والتأهيل، وقسم نشر الدعوة: للتبليغ والعمل الدعوي، وقسم الطلاب: للعمل في الثانويات والجامعات، وقسم الفتوة: للعمل الكشفي والتربية البدنية والمخيمات الصيفية.
وبعد انتشار الجماعة في طرابلس وبيروت، بدأت تنتشر بمناطق مختلفة من لبنان، ابتداء من التوسع في مناطق الشمال، ثم بدأ الانتشار في مناطق بيروت وصيدا ثم البقاع، وفي ذلك الوقت أخر المد القومي الناصري تجاوب الناس مع الحركة الإسلامية الوليدة، انطلاقًا من التهم المسبقة، التي كانت موجهة إلى كل ما له علاقة بالالتزام الإسلامي وبالدعوة الإسلامية. واستمر الوضع على هذا المنوال، حتى حصلت كارثة حرب 1967، التي أصابت الناس بالصدمة والذهول، وأصابت المد القومي الناصري بانتكاسة في الصميم.
شهدت فترة السبعينيات، تحولًا جذريًا في أداء الجماعة الإسلامية السياسي، وطريقة تعاملها مع الواقع اللبناني، ومقاربتها للأوضاع السياسية والاجتماعية السائدة، فكانت تلك بداية الاهتمامات بالشأن الكلي والإقليمي والدولي، حيث حضر الواقع اللبناني في الخطاب والحراك السياسيين للجماعة، وأخذت الجماعة حينها تحتك بالواقع القائم، وتتفاعل معه، وتسعى إلى تغييره.
وخلال السبعينيات بدأ الاهتمام والتركيز على العمل الطلابي للجماعة، وأصبحت له قضايا مطلبية محددة، كما أصبحت له رابطة فرضت حضورها بقوة على ساحة العمل الطلابي، ففي بداية السبعينيات تمّ تشكيل أول مجموعة طلابية تحت اسم رابطة المسلمين، ويقول محمد علي ضناوي إنه عندما تمّ تأسيس الرابطة كان ذلك في نطاق طرابلس والشمال، وإن الذي أسسها في البداية هو مجلس إدارة الجماعة في طرابلس، الذي يرأسه الضناوي، فقد دعا الضناوي بصفته المسئول الأول في طرابلس إلى اجتماع هيئة تأسيسية لطلاب الجماعة، حيث تم عقد أول مؤتمر للرابطة في مركز الجماعة بطرابلس، وتمّ إقرار نظام الرابطة.
وفي السبعينيات أيضًا تشكلت لجان لتعديل المناهج، خاصة في التاريخ والفلسفة، حيث كان هناك اعتراض على وجود بعض المواد، كما شهدت تلك الفترة إضرابات وتوزيع منشورات، احتجاجًا على إرسال معلمات إلى مدارس الذكور، وشهدت فترة السبعينيات أيضًا تصاعد العنف الجسدي في الصراعات داخل الثانويات، حيث ضُرِبَ رياض يمق، من قبل الشيوعيين فأصيب إصابة بالغة، فانتصر له أهله، وحاصروا المدرسة، وكان معهم ثلاثون رشاشًا، وطُرد الطالب الشيوعي من المدرسة، ثم حدثت مصالحة بعد ذلك، لكن على الرغم من التباين في وجهات النظر، فإنه يمكن القول بأن الرابطة أثبتت حضورها، حيث كانت الأجسام الطلابية تحرص على وجودها وإشراكها في التكتلات.
في سنة 1967 اتجهت الجماعة الإسلامية لتأسيس عمل تربوي منظم، فتقدمت بطلب رسمي لإنشاء جمعية التربية الإسلامية، إلا أنها لم تنتظر صدور ترخيص الجمعية الذي تأخر حتى سنة 1968، فأسست مدرسة الإيمان النموذجية سنة 1967 بترخيص باسم حسن الضناوي، وفي سنة 1970 نقلت ملكية مدرسة الإيمان النموذجية إلى جمعية التربية الإسلامية، وتغير اسمها لتصبح مدرسة الإيمان الإسلامية وخلال تلك الفترة ارتأت الجماعة الإسلامية أن تكون رئاسة مجلس إدارة الجمعية لشخصية إسلامية غير حركية، لها مكانتها في الأوساط الإسلامية، فتولى عبد الله درويش رئاسة أول مجلس إدارة، تبعه بعد ذلك خير الدين النبهاني، فيما تولى محمد رشيد ميقاتي إدارة مدرسة الإيمان منذ تأسيسها وحتى سنة 1974.
وعقب نجاح تشكيل مجلس شورى الجماعة الإسلامية، بدأ اعضاء الجماعة يفكرون في الدخول بالمعترك السياسي، من خلال خوض الانتخابات البرلمانية، وفي عام 1972 شهد أول تجربة انتخابية نيابية من خلال ترشيح المحامي محمد علي ضناوي في مدينة طرابلس، وكانت الغاية من عملية الترشيح ممارسة اتصال جماهيري واسع بالناس عبر طرح وجهة النظر الإسلامية في الأحداث الجارية، وكان واضحاً لمؤسسات الجماعة أن الترشيح لن يتعدى هذا الإطار إلى التخطيط لعمل سياسي برلماني، واستمر مرشح الجماعة في حملته منفردًا فحصل على 4190 صوتًا، حيث كانت الانتخابات على أساس القضاء.
تعرض لبنان إلى عدة تطورات أسهمت في إبقائه بؤرة متوترة، الأمر الذي ساعد على تحويل المخيمات الكشفية التي كانت تقيمها جماعة عباد الرحمن، إلى مناسبات لتعلم فنون القتال والدفاع عن النفس حيث كانت مجموعات الطلائع التابعة لكشافة جماعة عباد الرحمن، آنذاك تمثل نواة هذا العمل، كما كان للأستاذ توفيق حوري، نائب رئيس جماعة عباد الرحمن، دور في تشجيع الشباب على التدريب العسكري، انطلاقًا من قناعته بضرورة أن يحافظ المسلمون في لبنان على قوتهم العسكرية والسياسية.
فخلال عاميْ 1957 - 1958 انطلقت محاولات هذه المجموعة للانخراط في العمل العسكري؛ حيث بدأت خطواتها العسكرية الأولى، بالمشاركة في أول عملية تدريب عسكرية في الخارج كما قام الشباب بعدة زيارات تدريبية إلى مدرسة القتال التابعة للجيش اللبناني، حيث قاموا بدورات على تعلم تجاوز الحواجز وتسلق الحبال.
وبعد تأسيس الجماعة الإسلامية، استمر التركيز على العمل الكشفي والرياضي الذي كان يطلق عليه آنذاك اسم «الفتوة»، وقد كان من ضمن أنشطة العمل الكشفي والرياضي في ذلك الوقت التدرب على الرماية ويرى محمد علي ضناوي أن ثمة رافد مهم كان يساعدهم آنذاك، وهو التدريب العسكري ضمن المدارس، والذي كان يتم بشكل رسمي بإشراف الدولة، وكان إلزاميًا لطلاب المدارس الثانوية.
وشهدت منطقة الشمال بداية التدريب العسكري الجدي لعناصر الجماعة الإسلامية، على خلفية التعامل مع ما كانوا يستشعرون أنه «هيمنة مارونية».
وبادر الشيخ خليل الصيفي لدعوة الشباب إلى التدريب، الذي كان أشبه بالتدريب الرياضي، لاقتناعه بأنه واجب شرعي وضرورة يقتضيها واجب الدفاع عن النفس، وفي الوقت نفسه يعد خطوة، من أجل استيعاب شباب المساجد. فقد كلف الشيخ بعض الشباب الذين لهم معرفة بالسلاح، وبعض مهارات التدريب، وطلب من الفتية والشباب الذين كانوا يترددون عليه، الحضور للمشاركة في التدريب، فتم جمع حوالي 270 فتى وشابًا تتراوح أعمارهم ما بين 12 – 17 عامًا والتفت الشيخ إلى أهمية النشيد الإسلامي، وضرورة أن يحظى الشاب بتعبئة دينية تتناسب مع المرحلة
ويتحدث أسعد هرموش عن نوعية التدريب في ذلك الوقت فيقول: إنه في الفترة 1972- 1973 كان يجري التدريب، ضمن ما يسمى «دورة مقاتل عادي» أو «دورة عرفاء»، على الأسلحة الخفيفة مثل رشاشات الكلاشينكوف والدكتريوف والسيمينوف والقنابل اليدوية والآر بي جي والدوشكا، وذلك بإشراف مدرب قادم من الخارج وبعد ذهابه، كان على اللبنانيين القيام بأعمال التدريب
وقد واكبتها الجماعة بتشكيل بنية عسكرية تولت الدفاع عن المناطق الوطنية والإسلامية عبر تنظيم "المجاهدون"، وهو ما يعتبر ابرز التشكيلات الإخوانية المسلحة في ذلك الوقت، وكان لهذا التنظيم وجود عسكري في كل من طرابلس والشمال، ثم في بيروت، وفي صيدا أواخر عام 1976. وكان للجماعة في الشمال إذاعة "صوت المجاهدون" وتابعت إصدار مجلة "الشهاب" لتواكب بها الأحداث اللبنانية.
وبعد انتهاء حرب السنتين سلمت الجماعة مراكزها وأسلحتها الثقيلة في الشمال وشرق صيدا لقوات الردع العربية، كما أغلقت مراكزها العسكرية في بيروت. وتابعت الجماعة تنسيقها الأمني في إطار "المجلس السياسي" والمؤسسات المشابهة التي أفرزتها الحرب في مختلف المناطق اللبنانية.
شهد عقد الثمانينيات انطلاقة قوية لجماعة الإخوان في لبنان، وكان للعديد من الأحداث التي شهدتها المنطقة ولبنان دور في انتشار فكر الإخوان ببلاد الأرز .
فقد انتصار الثورة الإسلامية بقيادة ايه الله الخميني، لجمهورية الإسلامية في ايران 1979 وسقوط النظام الملكي، وبداية الغزو السوفيتي لأفغانستان ونجاح الفصائل الإسلامية الأفغانية في إنهاك قوات الاحتلال مع ما واكب ذلك من حركة استنهاض إسلامية جهادية، وتحوّل الحركة الإسلامية في فلسطين من العمل الدعوي التربوي والاجتماعي، إلى تشكيل "حركة المقاومة الإسلامية - حماس"، وحركة الجهاد الإسلامي، بعد الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين في تبادل الأسرى عام 1985، ما مهّد لتفجير الانتفاضة الأولى أواخر عام 1987، إلى انتشار الفكر الإسلامي بشكل عام وفكر الإخوان بشكل خاص بلبنان، وتراجع الفكر القومي واليساري والاشتراكي.
وبعد قيام إسرائيل عام 1978 باجتياح لبنان، لأهداف أمنية خاصة بها وجعلت ذلك على عدة مراحل، ففي المرحلة الأولى من هذا الاجتياح كانت إسرائيل تحتل منطقة امتدت من الحدود الإسرائيلية اللبنانية إلى حدود طرابلس في الشمال اللبناني بما في ذلك الجبال اللبنانية و بيروت العاصمة، لكنها اضطرت للانسحاب من معظم هذه الأراضي تحت ضغط هجمات المقاومة اللبنانية الناجحة، ونتيجة لذلك اقتصر احتلال إسرائيل على قرى الجنوب اللبناني وغرب البقاع التي تم تحريرها في 25 مايو عام 2000، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي منها مخلفًا مليشيا جيش لبنان الجنوبي المتعاونة معه بقيادة "أنطوان لحد" تواجه مصيرها بنفسها، وكان ذلك باستثناء مزارع شبعا، وهي منطقة تصل مساحتها إلى ما يقارب 250 كم.
كان المشروع السياسي للجماعة الإسلامية قد نضج، وكانت بنيتها السياسية قد استكملت عناصرها، وكان لتماسك القوى الإسلامية اللبنانية الجنوبية في وجه الاحتلال أثره الواضح في إطلاق مشروعها السياسي، ولعل أول صدام مسلح خاضه اثنان من شباب الجماعة في صيدا (الشهيدان سليم حجازي وبلال عزام) مع دورية للعملاء يوم 15 اغسطس 1982.
ومعها انطلقت قوات الفجر – الجناح العسكري للجماعة الإسلامية لمواجهة الاجتياح الإسرائيلي للبنان، والذي نجم عنه احتلال كثير من المناطق اللبنانية ووصل العدو إلى العاصمة اللبنانية بيروت.
وشاركت قوات الفجر مع حزب الله اللبناني والحركات المقاومة للاحتلال الإسرائيلي حتى انسحاب إسرائيل عام 2000، فقد مشاركة عناصر من الجماعة في عمليات المقاومة الإسلامية حتى بعد انسحاب قوات العدوّ من صيدا كانت بارزة، سواء بالتنسيق مع إطار المقاومة الإسلامية " حركة أمل الشيعية وحزب الله " في الجنوب أو المحاور الجديدة التي تشكلت بعد الانسحاب الإسرائيلي في منطقة كفر فالوس شرق صيدا، حيث كانت الجماعة تسيطر على عدد من المواقع والقرى المحررة في مواجهة قوات جيش لبنان الجنوبي.
كان لإخوان لبنان علاقة قوية بمفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن سعد الدين خالد- انتخب كمفتي لبنان عام 1966 - ورفعت الجماعة الإسلامية إليه مذكرة تتضمن اقتراحات من أجل النهوض بدار الإفتاء، والمجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، والدوائر الوقفية، وتصحيح أوضاع المشايخ والعلماء.
ودعت الجماعة الإسلامية في مذكرتها إلى تحقيق استقلال الوظائف والمناصب الدينية الإسلامية عن الملاك الرسمي استقلالًا تامًا، وخاصة سلكي الإفتاء والقضاء، وأن يتمتع مفتي الجمهورية بكل ما يتمتع به رؤساء الطوائف الأخرى من حقوق وامتيازات وحصانات، وتعزيز منصب الإفتاء بأجهزة علمية وعملية وإعلامية تُمكِّن المفتي من القيام بمهامه الشرعية والإدارية على أتم وجه .
كما دعت إلى إنشاء مجلس للإفتاء من ذوي الاختصاصات الشرعية العالية، وتحقيق وتنسيق التعاون ين المفتين في المناطق اللبنانية بما يضمن وحدة الصف، والهدف أن يقوم المفتي بجولات منظمة ودائمة لجميع المناطق اللبنانية لتفقد الأوضاع فيها، والطلب من المفتشين المحليين تقديم تقارير دورية مفصلة تتناول شئون الطائفة ومشكلاتها وحاجاتها، لتدرس في المجالس المختصة، وأن يقوم مفتي الجمهورية بمعاونة المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، واستشارة جميع الهيئات والشخصيات الإسلامية في لبنان بتعديل ما تقتضي مصلحة المسلمين تعديله من المرسوم الاشتراعي رقم 18.
كما رشحت في 1966 المحامي محمد علي ضناوي، والمهندس عبد الفتاح زيادة، والمهندس عصمت عويضة لعضوية مجلس الأوقاف الإسلامية بطرابلس ولم يفز منهم أحد وفي سنة 1971 ترشح محمد علي ضناوي، وعبد الله بابتي لعضوية المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى
ولكن في 1971 فاز محمد علي ضناوي بعضوية المجلس، وجاء ثانيًا في ترتيب الفائزين السبعة، بالرغم من أنه يوجد في القائمة مجموعة من الوجهاء وكبار السن والأعضاء السابقين في المجلس الشرعي؛ فكان ذلك أول تلاقٍ غير مباشر مع رئيس الوزراء اللبناني آنذاك رشيد كرامي.
قدم محمد علي ضناوي للمجلس الشرعي مشروع قرار يقضي برفع الحصانة عن موظفي الأوقاف، وكان هذا أول إصلاح تشهده دوائر الأوقاف في لبنان، وما إن أُقِرّ مشروع الإصلاح الإداري حتى قدم مدير عام الأوقاف في بيروت، ومدير أوقاف طرابلس، وعدد من الموظفين استقالاتهم وقبلت على الفور.
ثم قدم محمد علي ضناوي إلى المجلس الشرعي مذكرة إصلاحية شاملة من ثلاثين صفحة فولسكاب، عكست فكر الجماعة بوجوب الإصلاح على كافة الصعد الإدارية والعلمائية للمسلمين السنة في إدارتهم الشرعي الرسمية، ووضع خطوط وآليات التطوير.
تتجنب الجماعة الدخول في صراعات جانبية سواء فكرية أو مذهبية مع التيارات التي تواجدت على الساحة اللبنانية السياسية منها والدينية والمذهبية، وتحتفظ بعلاقات طيبة مع الجميع محتكمة إلى القاعدة التي تقول: نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، وتدعو الجماعة إلى نظرية التكامل في العمل الإسلامي، والتعاون والتنسيق بين كل العاملين على الساحة الإسلامية.
لا تتحدث الجماعة الإسلامية في أدبياتها عن انتماء سُنّي أو شيعي، على الرغم من التزام عناصرها أصول أهل السنّة والجماعة في توجههم الفكري أو ممارسة عباداتهم. وهي تمثل انتماءً إسلامياً جامعاً يتجاوز الخلاف المذهبي سعياً إلى تنمية نقاط الالتقاء بين السنّة والشيعة وهي كثيرة وكبيرة، وإلى حصر نقاط الخلاف والعمل على قيام فهم متبادل لهذه النقاط بما لا يجعلها تعطل مسارات التعاون والتنسيق في ميادين العمل المختلفة، اجتماعية أو سياسية أو جهادية، على أمل أن تتولى المجامع العلمية العمل على الوصول إلى وحدة إسلامية شاملة، تلغي الخلاف المذهبي أو تضعه في إطاره العلمي الذي لا يؤدي إلى الصراع والتنافر.
ولكن نظرا للتحديات التي تشهدها المنطقة من اسقاط حكم جماعة الإخوان في مصر، واستمرار الأزمة السورية منذ 2011 وحتي الآن، والأوضاع في ليبيا والعراق والاراضي المحتلة، وتأثيرها على لبنان جعل هناك تحديات في علاقة الجماعة الإسلامية في لبنان مع الأطراف المختلفة في الداخل اللبناني وخارجه، فالعلاقة مع «تيار المستقبل» والسعودية متوترة، النظام السوري لم يسقط، العلاقة مع «حزب الله» شبه مقطوعة، في حين أن العلاقة مع إيران تقتصر على الجانب البروتوكولي، وقد حاولت «الجماعة» دفع القوى الإسلامية والسلفية في لبنان لاتخاذ خيارات ومواقف معتدلة تجاه الأوضاع في لبنان وصياغة ميثاق جديد لمواجهة العنف والتطرف، لكنها لم تلق تجاوباً كاملًا رغم استمرار الجهود في هذا المجال.
تتسم العلاقة بين "حزب الله" والإخوان بالتقارب في أغلب التطورات السياسية، حتى لو تخللها بعض الخلافات في المواقف ووجهات النظر وفي مقدمتها الأزمة السورية، التي لا تؤثر على العلاقات بين الجانبين، وتأتي علاقة إخوان لبنان بحزب الله في إطار علاقة قوية تجمع الحزب مع التنظيم الدولي للإخوان والجماعة الأم في مصر، وكان آخر لقاء عُقد بين الطرفين قام بها وفد من قيادة الإخوان في مصر برئاسة المرشد العام "محمد بديع" إلى لبنان، للتعزية برحيل أمين عام الجماعة الإسلامية الشيخ فيصل المولوي، حين عقد الوفد لقاء مع وفد من حزب الله برئاسة رئيس المجلس السياسي السيد ابراهيم أمين السيد في مقر الامانة العامة للجماعة الإسلامية في بيروت.
وتعود العلاقة بين القيادات في حزب الله والإخوان، إلى ما قبل تأسيس الحزب في لبنان، لأن معظم كوادر الحزب كانوا على صلة مع القيادات الإخوانية في العراق ولبنان والكويت والبحرين، بل إن فكر حزب الدعوة وتنظيمه (أحد روافد حزب الله)، تأثر بشكل كبير بفكر الإخوان.
وكانت الكتب التي تنتجها قيادات الإخوان تُدرّس في حلقات حزب الله الدعوة واللجان الإسلامية والاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين، وعلى أيدي علماء لبنان والعراق وإيران.
وتعتبر لبنان أحد أبرز محطات التواصل بين الطرفين، وخصوصاً من خلال أحد قيادي حزب الدعوة "علي كوراني"، إضافة للمرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله والمرحوم آية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين.
ويشكل الموقف من المقاومة والقضية الفلسطينية أحد أبرز النقاط المشتركة بين حزب الله والتنظيمات الإخوانية، فالطرفان لديهما موقف جذري في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، و في لبنان تعاونت الجماعة الإسلامية وحزب الله على تأسيس المقاومة الإسلامية وكان للجماعة إطارها الخاص تحت اسم "قوات الفجر"، والتي نفذت عمليات مهمة في صيدا ومنطقتها، كما تعاون الحزب والجماعة على تنفيذ العديد من العمليات المشتركة إلى مرحلة متقدمة ما قبل التحرير عام 2000، كما أنه خلال حرب تموز 2006 وقف الإخوان والجماعة الإسلامية في لبنان إلى جانب حزب الله، وأصدر الأمين العام السابق للجماعة الشيخ فيصل المولوي فتوى شهيرة لدعم حزب الله، ردًا على بعض المواقف السلفية المعارضة للحزب، كما أن مرشد الإخوان المسلمين السابق مهدي عاكف أعلن دعمه لحزب الله رغم بعض الاعتراضات لدى جهات سنية وسلفية.
أما على الصعيد الفلسطيني فكان الموقف واحدًا وموحداً لدعم كل القوى المقاومة وخصوصاً حركة حماس، والتي شكلت المساحة المشتركة المستمرة بين الطرفين مهما تقلبت الظروف والأوضاع.
وكانت الجماعة الإسلامية في مقدمة الرافضين لنزع السلاح من حزب الله، فقد صرح الشيخ فيصل مولوي، أمين عام الجماعة قائلًا: "لا بد للمقاومة اللبنانية الإسلامية أن تستمر مهما كانت الظروف، طالما أن العدو الصهيوني على الأبواب، وطالما أن لديه أطماعًا عقائدية تاريخية، وأن الرأي العام الدولي لا يستطيع أن يمنعه من تحقيق أطماعه فلا حل لنا إلا أن تكون لنا مقاومة ذاتية، وبطبيعة الحال قد ينزعج من المقاومة بعض اللبنانيين، لما قد تؤثر به على الوضع اللبناني ووضع اقتصاده لكن لا بد من حوار بين الجميع بعد أن تزول الظروف الحالية".
وبدأت العلاقة بين حزب الله و"الجماعة" بدأت بالفتور عقب اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في العام 2005 ودعم حزب الله تأسيس جبهة العمل الإسلامي التي كانت تعتبر بديلاً عن الجماعة الإسلاميّة على الساحة السنّية، إلا أنه يشير إلى أن العلاقة بين الطرفَين لم تنقطع تماماً حتى اندلاع الأزمة في سوريا، والتي رفضت الجماعة دور حزب الله في الازمة السورية، وقد انعكست هذه المواقف على العلاقة بين الطرفين فلم تعقد اية لقاءات مباشرة، باستثناء اللقاء الدوري بين الجماعة الإسلامية وحزب الله والذي تحول إلى لقاء شكلي ولم يعد يتطرق إلى القضايا الاستراتيجية.
منذ أكثر من عقدين كان هناك تحالف انتخابي وتوافق بين الجماعة الإسلامية وتيار المستقبل، فقد نجحت الجماعة عام 1992 في إيصال 3 نواب إلى البرلمان اللبناني، اضافة لايصال مئات الاعضاء إلى المجالس البلدية والهيئات النقابية وان كانت لم تشارك في الحكم حتى الآن، لكن حضور الجماعة النيابي والسياسي تراجع في السنوات الاخيرة بسبب تعاظم دور تيار المستقبل والمجموعات السلفية رغم محافظة الجماعة على دورها الشعبي والتنظيمي في معظم المناطق اللبنانية.
كما حصلت الجماعة الإسلامية على مقعد نيابي واحد في انتخابات النيابية 2009، من خلال تحالفها مع تيار المستقبل، ويمكن القول إن العلاقة مع «تيار المستقبل»، كانت محور نقاش دائم خلال السنوات الماضية بين قيادات «الجماعة» التي سجلت اعتراضها مرات عدة على طريقة التعاطي الفوقي للتيار الأزرق معها، ومحاولته تهميش دورها، وإنجاز التسويات على حسابها، وفي بعض الأحيان تحويلها إلى منسقية من المنسقيات الزرقاء.
ومع تنامي حضور «الإخوان المسلمين» منذ انطلاق ثورات الربيع العربي وبلوغه الذروة مع وصول محمد مرسي إلى سدة الرئاسة في مصر، حاولت «الجماعة الإسلامية» الاستفادة قدر الإمكان من هذه المتغيرات، واستثمارها لمصلحتها في لبنان على صعيد تفعيل حضورها على الساحة اللبنانية عموما والإسلامية خصوصا، ونسج علاقات سياسية مع مختلف الأطراف الحليفة وفي مقدمتها «تيار المستقبل» على أساس من الندية والشراكة الحقيقية.
وفرضت الأزمة المصرية نفسها على العلاقة بين «الجماعة الإسلامية» و«تيار المستقبل»، وبدأت تنذر بمقاطعة بين التنظيمين الحليفين على خلفية الموقف السياسي للتيار الأزرق الداعم لما يجري في مصر، والذي تعتبره الجماعة انقلابًا على الشرعية.
مرّت علاقة التنظيمين القويّين على الساحة السُنيّة في لبنان، بمرحلة ذهبية مستفيدة من نسائم "الربيع العربي"، غير أن مَن اجتمعوا على سوريا تفرّقوا حول مصر، فقد هنأ سعد الحريري قائد القوات المسلّحة وزير الدفاع المصري المشير عبد الفتاح السيسي، – انذاك- بإسقط حكم الإخوان، ويزوره في القاهرة على رأس وفد، فيما ترى الجماعة الإسلامية الأمر تقرّباً من قائد انقلاب أطاح بعمقها الاستراتيجي.
الأمر الذي أدى إلى أن يجلس رئيس المكتب السياسي في الجماعة "عزام الأيوبي" والنائب "عماد الحوت" وجهاً لوجه مع الرئيس فؤاد السنيورة والنائب نهاد المشنوق للنقاش، ومنذ ذلك الحين، لا تزال الاتصالات عارضة، وفي حُكم الضرورة.
رغم ذلك، يقلّل الحوت من أهمية الخلاف مع المستقبل، يقول إنه لم يصل إلى حد القطيعة والخصام، بل هو من ضمن اختلاف الرؤى بين الطرفين حيال العديد من الملفات، يبدى النائب عن الجماعة الإسلامية الحرص على لمّ الساحة الإسلامية عموماً، والسُنيّة خصوصاً، يقول إن جماعته حريصة أيضاً على جمع كل الأفرقاء في الساحة الإسلامية السُنية، كي تبقى هذه الساحة في مكانها الوسطي، ولحمايتها من أي اختراق.
يؤكد الحوت أن الجماعة الإسلامية لا تبني مواقفها على ردّات الفعل، بل على قناعات أساسها مصلحة لبنان، فيما جماعته تعيش اليوم وسط غابة من المشاكل والتعقيدات التي تحكم علاقتها بالقوى الإسلامية على الساحة اللبنانية. العلاقة مع حزب الله لم تعد كما في السابق على خلفية الموقف من الأحداث في سوريا. خلاف سياسي مع تيّار المستقبل، خلاف عقائدي وموضوعي مع الجماعات الإسلامية السلفية القريبة من القاعدة.
وسجّلت التحالفات الانتخابيّة في انتخابات المجلس الإداري لجمعية «المقاصد الإسلامية» في صيدا، والتي تجري في 22 يونيه الجاري اقرب الي افتراق سياسي وانتخابيا لأول مرّة منذ نحو عقدين بين «تيار المستقبل» ممثلاً بالنائبة بهية الحريري و"الجماعة الإسلامية"
وقد طرح ذلك سؤالاً عمّا إذا كان افتراق «الجماعة» عن الحريري في هذه الانتخابات، سيؤسّس للابتعاد السياسي التدريجي تمهيداً لفكّ التحالف بينهما في الاستحقاقات السياسية المقبلة؟
ويبدو أنّ «الجماعة» قرّرت المُضيّ حتى النهاية في هذه المعركة ضدّ «المستقبل»، من خلال الردّ على لائحة الحريري التي يرأسها المهندس يوسف النقيب، بلائحة مضادة مكتملة تحمل اسم «لائحة نهضة المقاصد» برئاسة الدكتور احمد الغزاوي وعضويّة كلّ من: خليل عبد الوهاب معتوق، أحمد حسن العيساوي، أحمد يوسف مجذوب الصباغ، عامر يوسف رمضان، سامر حسن البابا، خالد أحمد قبلاوي ورامي رفيق بشاشة.
وبشكلٍ غير مباشر، أعلنت الجماعة عن رفضها لهمينة «المستقبل» والشيخ سعد الحريري على «المقاصد»، حيث أشار البيان إلى أنّ «الروح التنافسية غابت لدورتين متتاليتين، حيث فقدت المقاصد الكثير من بريقها، فضلاً عن التراجع المطرد في أدائها ودورها الجامع، والترهل الذي أصاب الإدارة بجميع ميادينها".
سارعت الجماعة الإسلامية وفور إعلان نبأ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بالدعوة إلى تحقيق مسئول يكشف عن القاتل، ويوقف مسلسل الاغتيالات الدامية، لكن الانقسام السياسي الحاد في البلاد دفع بالجماعة إلى التزام موقف محايد سياسياً من قوى 8 آذار و14 آذار، فقد اتخذت الجماعة موقفاً مؤيدًا لفريق 14 آذار منذ عام 2005 حتى عام 2010، عندما أحس فريق القيادة في الجماعة بأن الحلف المعادي لسوريا لا ناقة له ولا جمل. وإن كان قادة الجماعة يصرحون بأنهم محايدون في بعض المناسبات.
ويقول الأمين العام للجماعة في حديث لمجلة المجتمع: "بحكم أننا لسنا في صف فريق 8 آذار أو 14 آذار، فإننا نحافظ على علاقات حسنة مع الجميع، دون أن يعني ذلك ألا تكون لنا مواقفنا المستقلة التي تتفق أو تختلف مع هذا الطرف أو ذاك. إننا في الجماعة الإسلامية، ننطلق من مشروعنا الإسلامي، ومن رؤيتنا الوطنية للواقع في لبنان، فأحياناً يتفق موقفنا مع فريق وأحياناً يتفق مع الفريق الآخر، إننا على تواصل مستمر مع سعد الحريري بحكم اشتراكنا معه في ساحة شعبية واحدة.
كما أن علاقتنا بالسيد حسن نصر الله وقيادة حزب الله، تستمد قوتها من اشتراكنا في خلفية إسلامية للصراع مع إسرائيل، وهي علاقة قديمة بدأت منذ نشأة حزب الله ولم تنقطع، وهذه العلاقة ليست مرتبطة بمواقف حزب الله التي نختلف معه على الكثير منها، لاسيما فيما يتعلق بالشأن الداخلي اللبناني.
نظمت الجماعة الإسلامية مؤتمراً إسلامياً موسّعاً في 23 أغسطس 2007، للبحث في سبل وقاية المجتمع اللبناني من الفكر المتطرف، ومعالجة الانعكاسات الاجتماعية لأحداث مخيم نهر البارد، لجهة العلاقات اللبنانية الفلسطينية في شمال لبنان. وقد شارك في المؤتمر ممثلو الحركات والقوى الإسلامية في لبنان، وحشد من العلماء.
وقد هدف المؤتمر إلى دراسة موضوع العنف والتطرف من وجهة النظر الشرعية بعد أن ظهر قبول هذه الأفكار لدى قلّة من الشباب، واستغلاله من قبل جهات أجنبية لخلخلة السلم الأهلي في لبنان، فضلاً عن تشويه الإسلام والفكر الإسلامي المعاصر.
وقد رأت الجماعة أن هذه المسائل تفرض على الحركات الإسلامية الأصيلة والعلماء التصدي لها، وبيان انحرافها عن الفهم الإسلامي الصحيح، وخطرها على المسلمين بشكل عام، وعلى لبنان كلّه بوجه خاص.
وقد صدر عن المؤتمر "الوثيقة الإسلامية حول العنف والتطرف وأحداث نهر البارد" التي ركزت على محاور: الإسلام والعنف، النهي عن المنكر، الإسلام والإرهاب، الإسلام والجهاد، المقاومة ضد العدوّ الخارجي، المقاومة في لبنان، وأحداث مخيم نهر البارد.
ولخصت دراسة علمية تحليلية لأحداث نهر البارد وجماعة فتح الإسلام التي تشكلت في مخيم نهر البارد، أعدتها الجماعة، إلى اعتبار أزمة فتح الإسلام في مخيّم نهر البارد أزمة أُضيفت إلى سلسلة الأزمات اللبنانية التي لا حلّ لها، أو المؤجّل حلّها إلى ما بعد حلّ أزمة الحكم وإعادة توحيد السلطة، خاصّة أن الأجهزة الأمنية اللبنانية لا تزال تتصرّف مع شباب الصحوة الإسلامية بقدر كبير من سوء الفهم وإساءة التعامل، مما يسهم في دفعهم إلى الارتماء في أحضان التطرّف والمنظمات التكفيرية، وآخر هذه الممارسات ما حصل في جريمة اغتيال (أبي جندل) بلال المحمود، المقتول ظلماً برصاص قوى الأمن الداخلي.
وطالبت بمحاسبة عناصر فتح الإسلام أمام القضاء بضمانات تمنع الظلم عنهم، لكن دون أن يمرّ قتل الأبرياء بأي حال من الأحوال دون عقاب. وعن المواجهات الدائة بين الجيش اللبناني ومجموعة (فتح الإسلام)، اعتبرت الجماعة أن هذه المواجهة سببتها أعمال هذه المجموعة التي تخالف الأحكام الشرعية وتناقض المصالح الوطنية اللبنانية والفلسطينية.
كان موقف الجماعة الإسلامية، في بداية الأزمة السورية رفض تدخّل أي طرف لبناني في القتال في سوريا سواء مع النظام أو ضده، لانعكاس ذلك سلباً على لبنان الذي لن يستطيع تحمّل نتائج أي تدخّل، لكنه يذكّر باحتضان "الجماعة" لللاجئين السوريّين ودعمها الإعلامي والسياسي للثورة السوريّة.
في البداية، كان في الجماعة من يقول إن ما يحدث من تجاوزات النظام إنما يحدث بغير رضى الرئيس السوري بشار الأسد، ورغم ذلك صدر موقف يدين القمع في بداية الأزمة، ولا يوافق أعضاء قيادة الجماعة على القول إن الموقف في بداية «الثورة» كان ملتبساً، بل كانت هناك رؤية لإمكان قيام تسوية على أساس تراجع النظام، وليس المنتفضين.
ونُظمت العديد من الفاعليات لدعم المعارضة السورية، وفي مقدمتها تنظيم مهرجان حاشد، هو الأكبر من نوعه، في مدينة صيدا (جنوب لبنان)، دعمًا للثورة السورية، وشارك في المهرجان الذي أقيم في "مدينة الرئيس رفيق الحريري الرياضية" بصيدا، وجاء تحت عنوان "جيش الثوار يدعمه الأحرار"، أكثر من 15 ألف شخص.
كما دعم اخوان لبنان احتلال تركيا أردوغان للاراضي السورية،واعربو عن دعهم للعمليات العسكرية التركية في شمالي سوريا.
وقد هاجم الجماعة الاسلامية ادانة الخارجية اللبنانية لعملية "نبع السلام" التركية، معتبرا ان لتركيا الحق في احتلال الااضي السورية تحت مزعم "الامن القومي".
واعرب رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية في لبنان الدكتور عماد الحوت عن تعجبه من موقف وزارة الخارجية في لبنان الذي أدان عملية “نبع السلام” المستمرة شمالي سوريا ضد الوحدات الكردية وحزب العمال الكردستاني.
وقال الحوت في بيان :" تركيا لم تقرر أو تهدد بالتخلص من اللاجئين السوريين برميهم فريسة بين براثن نظام الأسد الذي لا يرحم، وإنما قررت مساعدة الجيش السوري الحر على تحرير جزء من سوريا الحبيبة تسيطر عليه قوى مارست العمالة للغدارة الأمريكية فطعنتها وتخلت عنها كما تفعل دوما بعملائها"، على حد زعمه.
اقتصر تحرك "الجماعة" على الخطاب السياسي والتحرك الإعلامي، معتمدة على مبدأ أن "المسألة شأن مصري"، ويعتبر النائب عن "الجماعة الإسلامية" عماد الحوت أن "من قام بقتل الآلاف في ميادين مصر سواء في ميدان رابعة أو النهضة واعتقل عشرات الآلاف اعتقالات سياسية هو الأجدر بهذا التوصيف، خصوصًا أن "الانقلاب" لن ينتظر نتيجة التحقيق بالانفجار ليثبت علاقة الإخوان أو ينفيه، ما يثبت أن الانفجارات والإرباكات الأمنية عينها مصطنعة"، ويقول لـ"النهار": "في المعيار القانوني البحت فهذا القرار لا قيمة قانونية له ولن يكون له أي مفاعيل خارج مصر"، ويؤكد الحوت أن الإخوان مدرسة فكرية إسلامية، وليست تنظيمًا واحدًا وبالتالي هناك خصوصية لكل بلد في ما يتعلق بالانتماء إلى هذه المدرسة بطريقة الإدارة والقيادة".
كانت علاقة الإخوان المسلمين في لبنان بالمملكة العربية السعودية علاقات قوية، شهدت بعض التوتر عقب قيام ثورة 30 يونيه في مصر والإطاحة بحكم الإخوان، وصدور مرسوم ملكي سعودي يدرج "جماعة الإخوان" ضمن قائمتها للجماعات الإرهابية، الا ان المملكة السعودية لم تدرج الجماعة الإسلامية في لبنان ضمن القرار .
و أوضح النائب عن الجماعة الإسلامية عماد الحوت، في تصريحات صحفية أنّ القرار السعودي أدرج "الإخوان المسلمين" لا "الجماعة"، وهذه الأخيرة لبنانيّة، دون أن ينكر أنها والإخوان "من نفس المدرسة الفكريّة"، إلاّ أنّه أكدّ أن القرارات والآراء تختلف كلّياً بين الطرفين، لذلك فإنّ القرار السعودي بعيد جداً عن "الجماعة"، وطلب الحوت من السعوديّة "العودة إلى دورها الجامع لكلّ الأمة كونها موقع الحرميْن، "مكّة والمدينة"، لا أن تكون طرفاً لمحور من محاور الأمّة العربيّة".
وأمل الحوت من السعودية إعادة النظر في القرار أو إعادة صياغته "ليشمل المجموعات التخريبيّة والتكفيريّة الفعليّة"، مؤكّداً في الوقت نفسه أنّ "القرار لن يؤثّر على علاقة السعوديّة مع الدول العربيّة وخصوصاً لبنان، لأنّ العلاقة أعمق من أن يؤثر عليها قرار مرحلي يمكن الرجوع عنه".
ترتبط الجماعة الاسلامية في لبنان بعلاقات قوية مع نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كما انهم يشكلون الحلقة الأهم في الترويج لمشروع العثماني، في الدول العربية تحت غكاء "الخلافة الإسلامية.
وتشير تقرير ‘علامية إلى أن اجتماعات مكثّفة عقدت بين قياديين من الجماعة الاسلامية ومسؤولين في حزب العدالة التركي، وذلك بهدف إعطاء الجماعة زخماً سياسياً لتجاوز الأزمة التي تعيشها، على المستوى الداخلي وعلى المستوى العام، في ظل الاوضاع الحالية في لبنان.
الاجتماع كشف عن توافق "اخوان لبنان" مع التوجّه التركي باحتضان "سنة لبنان" كهدف أولي ومن ثم دخول تركيا كلاعب رئيسي في السياسة اللبنانية كما تفعل ايران مع حزب الله والمكون الشيعي اللبناني.
الخطة التركية في لبنان بدأ وضعها لسيطرة تركيا أردوغان على القرار اللبناني في ظل تراجع مكانة "تيار المستقبل" بقيادة سعد الحريرين بما يشكل فرصة للجماعة الاسلامية بالسيطرة على القرار اللبناني.
الخطة التركية الاخوانية ستؤمّن للجماعة الإسلامية في لبنان مظلة حماية سياسية وإعادة الحيوية إلى دورها وحضورها في الشارع السنّي، خصوصاً إذا نجحت الجماعة في أن تشكّل في المرحلة المقبلة تعبيراً عن الحضور التركي في الساحة الإسلامية السنّية في لبنان.
و يشكل الاخوان الورقة الاهم في سياسة تركيا أردوغان لاستعادة النفوذ التركي في الدول العربية والإسلامية،ومن هذا المنطلق تعتمد الاستخبارات التركية على دعم الجماعة الاسلامية في لبنان للسيطرة على الشارع السني اللبناني، ومن ثم السيطرة قرار الدولة اللبنانية أو المشاركة في صنع هذا القرار.
الأمر الاخر يشكل الاخوان في لبنان، حالة متصلة مع "اخوان سوريا" والتي تعد الهدف الاستراتيجي لأردوغان بالسيطرة عليها، كذلك مع "اخوان فلسطين"وخاصة حركة حماس، و"اخوان الأردن" وهو ما تعتبره الااستخبارات التركية "السيطرة على الشام عبر تنظيم الاخوان.
أيضا يعد الاخوان بعلاقتهم مع الطوائف في لبنان، طابور خامس في تقديم رؤية للحكومة التركية عن هذه الطوائف حجمها ومكنتها وقلها السياسي والعسكري والشعبي والاقتصادي.
يعل الاخوان ايضا دورا في صناعة "حالة مؤيدة" للسياسة التركية في لبنان وتصصدريها للشارع العربي على ان قدرة "تركيا أردوغان" في دعم "الضعفاء " في المنطقة العربية وإظهار أردوغان بمظهر الخليفة القادر على حماية المسلمين.
الاقتصاد هدف اساسي من لعب أردوغان بـ"ورقة الاخوان" حيث يشكل الاخوان العنصرالاهم في دعم تركيا في الحصول على صفقات اقتصادية كبيرة في الاقتصاد اللبناني، كذلك يشكل "غاز لبنان" مطمعا للدولة التركية.
شركاء في ثروة الغاز شرقي المتوسط، وأن الأدوار الاقليمية في هذا البلد من "عدة الشغل" السياسي.
فتحي يكن
ولد فتحي يكن في 9 فبراير 1933 في طرابلس بلبنان، وهو متزوج من السيدة منى حداد يكن وله أربع بنات وولد، وحائز على شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية واللغة العربية.
انخرط فتحي يكن في العمل الإسلامي في لبنان منذ الخمسينيات. وهي إحدى فروع تنظيم الإخوان الدولي، وتظهر مؤلفاته ميلا لكتابات سيد قطب، على الرغم من أن أداءه السياسي يوصف بالمعتدل.
انخرط في العمل الإسلامي في لبنان منذ خمسينيات القرن العشرين، وكان من الرعيل الأول بين مؤسسي الجماعة الإسلامية في لبنان متأثرة بجهود الإخوان السوريين وعلي رأسهم الشيخ مصطفى السباعي.
أصبح بين 1962 و1992 أميناً عاماً للجماعة الإسلامية وهي فرع الإخوان المسلمين في لبنان، وله محطات طويلة مع العمل السياسي الإسلامي في لبنان، خصوصا بعد انخراط الجماعة في اللعبة السياسية ونجاحها في ايصال بعض مرشحيها إلى الندوة البرلمانية. ففي انتخابات 1992 حصلت الجماعة الإسلامية على ثلاثة مقاعد في المجلس النيابي، لكل من الدكتور فتحي يكن وأسعد هرموش وخالد الظاهر، وفي انتخابات 1996 لم تحصل الجماعة إلا على مقعد مثله خالد الظاهر.
قدم استقالته من منصب الأمين العام للجماعة بعد نجاحه في الانتخابات النيابية ليتفرغ للعمل البرلماني (1992- 1996)، لعب دورًا ملحوظًا في السياسة اللبنانية والإقليمية كما شارك في معظم المؤتمرات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم، والتقى العديد من الرؤساء والملوك العرب
الشيخ فتحي يكن اشتهر بزيارة مثيرة لعراب «الأحباش» ووالدهم الروحي الشيخ عبد الله الهرري في الرابع عشر من سبتمبر 2004، وكال فيها الهرري هجوما على السلفية والوهابية وابن تيمية، فكان تعليق الشيخ فتحي يكن، حسب النص الحرفي للمقابلة أن قال «حاشا أن تكون هذه الحركة (الوهابية) حركة سلفية، نحن نعتبر انفسنا سلفيين، أما الحركة الوهابية فأحدثت في الأمة بالفعل فجوة كبيرة وفتنًا ليس لها أول ولا آخر".
يكن خرج من صفوف الجماعة او اخرج منذ ان تم «تجميد» عضويته في مجلس شورى الجماعة، حسب رواية أسعد هرموش أو الموافقة على استقالته بعد طلبه ذلك حسب رواية أخرى، أو إخراجه من الجماعة بحسب روايات أخرى، وكون فتحي يكن منذ ذلك الوقت ما أسماه «قوى العمل الإسلامي»، وهي جبهة مختلطة من الدكتور يكن وتلاميذه وبقايا تنظيم التوحيد في طرابلس بقيادة الشيخ بلال شعبان رمضان، وأيضًا بعض السلفييين القلة مثل داعي الإسلام الشهال وهاشم منقارة.
ففي 21 سبتمبر 2006، استقبل الرئيس السوري بشار الأسد، فتحي يكن في دمشق، ونشرت الخبر وكالة الانباء السورية، وبحسب نص الخبر فإن الرئيس الاسد استعرض مع الدكتور فتحي يكن «رئيس جبهة العمل الإسلامي» (الاسم الاخير لتنظيم يكن) الاحداث في لبنان. وتناول «تداعيات الحرب الاسرائيلية على لبنان والانتصار الذي حققته المقاومة اللبنانية، وذكر البعض بأن هذه الحفاوة السورية جاءت بعد حديث يكن عن البعد الجهادي في «جبهة العمل الإسلامي".
وبعد، فإن «مبادرة» فتحي يكن الأخيرة، من أجل الوساطة بين الرئيس السنيورة والنائب سعد الحريري وقوى المعارضة، ومن ثم قيامه بإمامة صلاة الجمعة في جمهور حزب الله المتجمهر أمام السراي الحكومي، تأتي في سياق التطور الخاص بمسيرة ورؤية فتحي يكن، يبدو أنه ابتعد بمسافات ليست قصيرة عن حزبه الأصلي، الجماعة الإسلامية، ومن خلف هذه الجماعة الطائفة السنية برمتها، التي يبدو أنها لا تشاطر الشيخ يكن رؤيته ولا تحالفاته في ظل هذه المناصرة التامة للسنيورة والحريري، والتي رسخها المفتي رشيد قباني مؤخرًا بالقول «إن إسقاط الحكومة خط أحمر"
تُظهر مؤلفاته ميلاً لكتابات سيد قطب، على الرغم من أن أداءه السياسي يوصف بالمعتدل، كما يعد يكن من الشخصيات الداعية إلى التقريب بين أهل السنة والشيعة، حيث سجلت بعض المصادر مواقف له في هذا الصدد، أبرزها إمامته لجموع المصلين الشيعة والسنة في بيروت أواخر سنة 2006.
وأصدر فتحي يكن عدة مؤلفات، ترجم معظمها لعدد من لغات العالم، وتزيد على 35 مؤلفًا أبرزها: "نحو حركة إسلامية عالمية واحدة"، "الموسوعة الحركية" (جزءان)، "حركات ومذاهب في ميزان الإسلام"، "نحو صحوة إسلامية في مستوى العصر"، "المناهج التغييرية الإسلامية خلال القرن العشرين"، "الإسلام فكرة وحركة وانقلاب"، "الشباب والتغيير"، "أبجديات التصور الحركي للعمل الإسلامي"، و"قطوف شائكة من حقل التجارب الإسلامية".
تُوفي فتحي يكن يوم السبت 13 يونيه 2009 ببيروت إثر إصابته بجلطة دماغية.
فيصل مولوي
داعية ومفكّر إسلامي بارز، الأمين العام للجماعة الإسلاميّة في لبنان 1993 خلفاً للشيخ فتحي يكن، رئيس جمعيّة التربية الإسلاميّة في لبنان، رئيس بيت الدعوة والدعاة، منذ تأسيسه عام 1990، عضو اللجنة الإداريّة للمؤتمر القومي الإسلامي، المرشد الديني لاتحاد المنظّمات الإسلاميّة في فرنسا، ثم في أوروبا منذ عام 1986 ونائب رئيس المجلس الأوروبي للافتاء.
ولد المستشار فيصل مولوي 1941 بمدينة طرابلس اللبنانية، نشأ في أسرة مشهورة بالصلاح والتقوى، ونال الإجازة في الحقوق من كليّة الحقوق والعلوم السياسيّة بالجامعة اللبنانيّة عام 1967، والإجازة في الشريعة الإسلاميّة من كليّة الشريعة بجامعة دمشق عام 1968، ودبلوم الدراسات المعمّقة من جامعة السوربون بباريس.
عيّن مستشاراً لدى المحكمة الشرعيّة العليا في بيروت بين عامي (1988 ـ 1996) وبرز كداعية إسلامي.
واختارته الندوة العالميّة للشباب الإسلامي في أوروبا كأحسن داعية في أوروبا، ساهم خلال إقامته في فرنسا بتأسيس الاتحادات والمنظّمات الإسلاميّة.
عارض تطبيع العلاقات مع اليهود والصلح معهم ودعا إلى تعميق الوعي الإسلامي وتجميع الجهود من أجل خوض مرحلة جديدة من الصراع، ويعتبر الصلح مع اليهود هزيمة للأمّة في مرحلة التوقيع، وأنّه لابد من جبهة تضم جميع القوى المعارضة للاستسلام.
رأى أن أهم أولويّات الجماعات الإسلاميّة في هذه المرحلة نشر وعي إسلامي حقيقي بقضايا الإسلام وقضايا الأمّة، ونبّه إلى وجود مؤامرة عالميّة وأمريكيّة على وجه الخصوص تهدف إلى زيادة تمزيق الأمّة الإسلاميّة عن طريق افتعال صدامات كثيرة بين الحركات الإسلاميّة باعتبارها رائدة العمل الشعبي وبين الأنظمة الحاكمة، فتكتفي بالنصيحة وتصر عليها، وتكتفي بالتحرّك السلمي المناسب دون أن تصل إلى حد الصدام بحال من الأحوال، ورأى أنّ كلّ البلاد التي يقطنها مسلمون دار إسلام، حتى ولو لم تطبّق فيها كثير من الأحكام الشرعيّة، وأنّ سائر بلاد العالم تدخل في نطاق دار العهد، وأنّ مفهوم الموالاة يعني أنّه لا يجوز للمسلم أن يناصر غير المسلم على أخيه المسلم في الحرب، أما مناصرة غير المسلم ضد غير المسلم فلا تدخل في مفهوم الموالاة.
وقال: إنّ الزواج من الكتابيّات جائز في الأصل إذا كنّ محصّنات، وإنّ بلاد الغرب ديار دعوة، ويجب احترام قوانينها ما لم تتعارض مع أحكام الإسلام وأنّ الموازنة مطلوبة بين الإقامة في الغرب والمحافظة على الأسرة والأبناء.
وضع سلسلة كتب مدرسيّة للطلبة تناول فيها التربيّة الإسلاميّة بأسلوب سهل وميسّر، وألّف كتباً منها: (المفاهيم الأساسيّة للدعوة الإسلاميّة في بلاد الغرب) وهو دراسة عن الأزمة الفكريّة الناتجة عن استقرار أعداد كبيرة من المسلمين في ديار الغرب وحصولهم على جنسيّة البلاد التي هاجروا إليها، ودخول أعداد من أبناء الغرب الأصليين في الإسلام، وعن حاجة الجميع إلى ثقافة أصيلة تنظّم عيشهم في مجتمعات غير إسلاميّة، و(السلام على أهل الكتاب) وهو دراسة عن العلاقة بين الأقليّات المسلمة، أو الأكثريّة المسلمة مع أهل الأديان الأخرى.
وله أيضًا (أثر انهيار قيمة الأوراق النقديّة على المهور) وهو دراسة أعدّت للمحاكم الشرعيّة السنيّة في لبنان عندما كان مستشاراً في المحكمة العليا، تتعلّق بمهور الزواج المعقودة في لبنان قبل عام 1985، و(نبوءة آدم) الذي يدور حول قضيّة عُرضت أمام محكمة بيروت السنيّة في قضيّة امرأة مسلمة تطلب التفريق بينها وبين زوجها المسلم بحجّة أنّه ينكر نبوّة آدم عليه السلام، و(تيسير فقه العبادات) ويتناول فقه العبادات بأسلوب جديد يتلاءم مع واقع الإسلام والمسلمين ليعود الفقه عاملاً أساسيّاً من عوامل بناء المجتمع الإسلامي ليأخذ دوره المرموق في عمليّة الصحوة الإسلاميّة المعاصرة، و(دور المرأة المسلمة في العمل الإسلامي) و(المرأة في الإسلام) و(الإسلام والرق) و(نظام التأمين وموقف الشريعة منه) و(الربا والفوائد والمصارف) و(حكم الدواء إذا دخل فيه الكحول) ؛ أسّس الكليّة الأوروبيّة للدراسات الإسلاميّة في (شانوشينون) في فرنسا عام 1990 وتولّى عمادتها حتى عام 1994.
توفي يوم الأحد 5 جماد الآخرة 1432 الموافق 8 أيار2011، ودفن في طرابلس
إبراهيم المصري:
ولد في طرابلس سنة 1937، واشتغل في حقل التدريس في منطقة شمال لبنان وقد التحق بتيار الفكر الإسلامي الحركي في مدينة طرابلس سنة 1953، وهو من مؤسسي الجماعة الإسلامية في لبنان أشرف على عدد من المجلات المدرسية خلال عقد الخمسينيات، وشارك في تحرير نشرة الثائر التابعة لجماعة عباد الرحمن، وتولى مهمة رئيس التحرير فيها خلال سنتي 1964- 1965. وكان رئيس تحرير مجلة الشهاب ما بين 1966- 1975 ؛ التي كانت أبرز وجه إعلامي للجماعة وحركة الإخوان المسلمين في العالم وهو رئيس تحرير مجلة الأمان التي تصدر منذ سنة 1979 ولغاية تاريخ إصدار هذا الكتاب (2009)، وهو عضو المكتب الإداري المركزي للجماعة الإسلامية في لبنان منذ تاريخ تأسيسها ولغاية يومنا الحاضر ولقد تولى رئاسة المكتب السياسي المركزي للجماعة وجرى انتخابه أميناً عاماً للجماعة الإسلامية بداية عام 2010.
لم تعد الجماعة الإسلامية في لبنان لاعباً على أطراف النزاع المحلي، بل أصبحت في قلب الصراع الدائر في المنطقة، وأحد أكبر المستفيدين من الربيع العربي، بانتمائها إلى حركة الإخوان المسلمين العالمية، وهي اليوم تعيش التغييرات في الدول العربية وتشارك فيها بكل لحظة.
وتزداد الضغوط على «الجماعة الإسلامية» وعلى «حركة حماس»، وأن تتطور الحملة السعودية ضد «الإخوان المسلمين»، وأن تستمر ازمة الحكومة التركية، وأن يزداد الضغط العسكري في سوريا لمصلحة النظام، لأن كل ذلك سيضع «الجماعة» و«الحركة» امام خيارات صعبة، ستدفعهما لإعادة النظر بكل الاستراتيجية التي اتبعت في السنوات الثلاث الماضية لتلافي المزيد من الخسائر.
وفي ظل هذه الظروف الصعبة سياسيًا وشعبيًا تحيي الجماعة الإسلامية الذكرى الخمسين لتأسيسها وهي تحاول اتباع نهج سياسي يحفظ لها استقلاليتها ومواقفها المتمايزة داخليًا وخارجيًا، ولكن من الواضح للمراقب لاداء الجماعة السياسي انها تعاني من ازمة كبيرة على مستوى الاداء والموقف، فهي لا تستطيع مجارة تيار المستقبل وقوى 14 اذار سياسيا وشعبيًا رغم أنها تلاقت معهما أحيانًا، مما أدخلها في إشكالات عديدة، وهي لا تستطيع أن تعود لنسج علاقة قوية مع حزب الله بسبب الموقف من الأزمة السورية، كما أنها لا يمكن أن تجاري التيارات السلفية والمتشددة على الساحة الإسلامية، لأن ذلك يخالف نهجها الاعتدالي والوسطي وسيؤدي لإدخالها في صراعات ومشاكل في غنى عنها.